يوضح جورجيو كافييرو أن الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطر في 9 سبتمبر مثّل تصعيداً خطيراً وخلق معضلة أمنية جديدة للدوحة. ورغم أن الضربة استهدفت قطر تحديداً، فسرت بقية دول مجلس التعاون الخليجي الأمر كتهديد جماعي، ما دفعها إلى إظهار مستوى غير مسبوق من التنسيق والتضامن.
حضور رئيس الإمارات محمد بن زايد إلى الدوحة بعد يوم واحد من القصف، وإدانة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لما وصفه بـ"العدوان الوحشي"، أظهر تحوّلاً جذرياً في ديناميكيات المجلس مقارنة بمرحلة الحصار الخليجي على قطر الذي انتهى قبل أقل من خمس سنوات.
أشار أتلانتيك كاونسل إلى أن التضامن لم يقتصر على الخليج. قادة العالم العربي والإسلامي اجتمعوا في الدوحة يوم 15 سبتمبر بدعوة من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، حيث أصدروا موقفاً موحداً يندد بإسرائيل. في كلمته، حذّر الأمير تميم بن حمد آل ثاني من طموحات بنيامين نتنياهو التوسعية، واعتبر محاولة تحويل العالم العربي إلى "مجال نفوذ إسرائيلي" وهماً خطيراً.
بدأت الشكوك تتزايد حول المظلة الأمنية الأميركية. لعقود، اعتمدت دول الخليج على واشنطن كضامن أول ضد إيران والعراق، لكن أحداث العقدين الأخيرين – من رد الفعل على الربيع العربي، إلى الاتفاق النووي مع طهران، إلى الصمت على هجمات أرامكو 2019 وضربات الحوثيين 2022 – أضعفت الثقة. واليوم، يرى الخليجيون أن الضربة الإسرائيلية ضد قطر أكدت حدود الحماية الأميركية، خصوصاً مع استضافة الدوحة لقاعدة العديد وتصنيفها حليفاً رئيسياً خارج الناتو منذ 2022.
ازدادت المخاوف بعدما كشفت تقارير أن نتنياهو ربما أخطر إدارة ترامب بالعملية قبل انطلاقها، رغم نفي البيت الأبيض. حتى مع ذلك، اكتفى ترامب بالتحذير ووصف قطر بـ"الحليف العظيم"، ما رسّخ شعوراً بأن المظلة الأميركية لم تمنع الهجوم. بدأت الأسئلة تتصاعد في بقية العواصم الخليجية: إذا كانت إسرائيل قصفت الدوحة بهذا الشكل، فما الذي يمنعها من استهداف شخصيات أو مواقع في عُمان أو غيرها تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"؟
في السياق الأوسع، يواجه المجلس واقعاً جديداً. تصاعدت العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة: ضربة ضد إيران في يونيو أشعلت حرب الاثني عشر يوماً، هجمات متواصلة ضد الحوثيين في اليمن، وغارات متكررة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. كل ذلك جعل الاستقرار الإقليمي ضرورة استراتيجية لدول الخليج الساعية إلى جذب الاستثمارات والسياح وتحقيق رؤى اقتصادية كبرى، بينما تهدد التصرفات الإسرائيلية هذه الطموحات.
إزاء ذلك، سارع قادة الخليج إلى التنديد والتأكيد أن الاعتداءات لا يجب أن تتحول إلى سابقة. ورغم أن ضربات إسرائيل في لبنان وسوريا وغزة واليمن صارت مألوفة، تتعامل العواصم الخليجية مع هجوم الدوحة كخط أحمر. ظهرت قناعة متنامية بوجوب فرض ثمن على إسرائيل حتى لا يتكرر السيناريو.
لكن خيارات الرد محدودة. القدرات العسكرية الخليجية غير كافية لمواجهة إسرائيل مباشرة، لذا يركز القادة على أدوات غير عسكرية: الضغط عبر العلاقات الوثيقة مع إدارة ترامب، استغلال حاجة واشنطن إلى الشراكة الخليجية، ودفعها لكبح تل أبيب. في الوقت نفسه، تمارس قطر وبعض العواصم ضغوطاً هادئة على الإمارات لإعادة تقييم علاقتها مع إسرائيل. ورغم أن إلغاء اتفاقيات أبراهام غير مرجح حالياً، يمكن لأبوظبي والمنامة تقليص التمثيل الدبلوماسي أو تخفيض التعاون كرسالة تحذير. بالفعل استدعت الإمارات نائب السفير الإسرائيلي، لكنها لم تذهب أبعد من ذلك.
يواجه المجلس نقطة تحول حاسمة. إذا تكررت الضربات الإسرائيلية، سيجد القادة أنفسهم مضطرين لتقوية التعاون الدفاعي الداخلي وربما بناء إطار أمني شبيه بالناتو، مع استثمار طويل الأمد في أنظمة دفاع صاروخي وقدرات ردع جماعية. بالتوازي، يتجه الخليج إلى توسيع شراكاته مع دول مثل باكستان وتركيا، اللتين تريان مصلحة في حماية أمن المنطقة وسط تراجع الثقة بواشنطن. توقيع معاهدة دفاع بين الرياض وإسلام آباد بعد ثمانية أيام من هجوم الدوحة يعكس هذا الاتجاه.
في المقابل، يستعد الإيرانيون لاستغلال اللحظة سياسياً عبر تقديم أنفسهم كطرف داعم للدوحة ومعادٍ لإسرائيل، لكن دون أن يتحول ذلك إلى تحالف أمني فعلي.
الخلاصة أن ضربة الدوحة أجبرت الخليج على مراجعة افتراضاته التاريخية حول الاعتماد على الولايات المتحدة. دول المجلس أظهرت وحدة غير مسبوقة، لكنها الآن أمام مفترق طرق: إما الاكتفاء بالتنديد، أو الانتقال فعلاً نحو شراكات جديدة وتعاون دفاعي أعمق يعزز استقلالها الأمني في مواجهة تهديدات متصاعدة.